لقاء موسكو وفضيحة النظام
لا حاجة لأن يقرأ المرء بوستات المعارضين السوريين الذين شاركوا في لقاء موسكو، لكي يتخيل مقدار التعالي والاستخفاف الذي عوملوا به في العاصمة الروسية من وفد النظام. ليس مفاجئاً، مثلاً، أن يرفض رئيس وفد النظام السوري أن يستلم من المعارضين قائمة بأسماء حوالي تسعة آلاف معتقل لدى النظام (مع الإشارة إلى أنها قائمة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من أعداد المعتقلين). وليس مفاجئاً أن يتجاوز بشار الجعفري حدود اللباقة، في حديثه الصحافي، ويسخر من هؤلاء الذاهبين (أغلبهم بنيةٍ صادقة)، في محاولة لفتح ثغرة في هذا الجدار، لعلها تساهم في كسر حلقة الموت المفرغة.
هذا ليس مفاجئاً لأن أولئك المعارضين الذين ذهبوا إلى موسكو لا يمثلون، في الواقع، قوة على الأرض، تفرض على النظام تنازلاً. ولأن النظام السوري تعامل، دائماً وفي كل المواضيع، على مبدأ "من لا قوة له لا حق له"، فليمت في السجون الآلاف، وليحرم الآلاف من حريتهم، طالما أن النظام غير مرغم على إطلاق سراحهم، أو حتى على إطعامهم ومعالجتهم في السجون. هذا هو الفارق بين الدولة والطغمة. الدولة تستخدم القوة التي يفوضها بها المجتمع، لتطبق القانون المتفق عليه، بما يحمي حقوق المواطنين من تعديات مواطنين آخرين، أو مؤسسات خاصة، أو حتى من مؤسسات الدولة نفسها، أما الطغمة فتستخدم قوة الدولة لمصالحها ولحفظ ديمومتها على حساب حقوق الناس، حتى أنها تفاوض على حقوق "مواطنيها" لدى القوى الأخرى، فتعتبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لديها تنازلاً تقدمه في مقابل كسب سياسي ما من الدول التي تطالب باحترام حقوق الإنسان.
إذا استبعدنا صالح مسلم من الوفد المعارض في موسكو، سنجد أن كامل الوفد لا يملك أي قوة عسكرية، في الوقت الذي تحول فيه الصراع في سورية إلى صراع عسكري. يذهب الوفد المعارض إلى موسكو خالياً من أي قوة. لا يوجد قوة إقليمية أو عالمية داعمة له، ولا توجد قوة عسكرية تسانده، ولا يمثل أي حراك شعبي سلمي، بعد أن تم سحق السلمية، بفعل بطش النظام من جهة، وطيش المعارضة من جهة أخرى. إن وفد المعارضة هذا إلى موسكو، هو مجرد ممثل افتراضي. أقصى ما يمكن لمثل هذا الوفد أن يقدمه أن يبرز مطالب السوريين، وهذا ليس أمراً بلا قيمة. لكن، في المقابل، قد يسمح هذا الوفد للنظام بعرض صورة يريدها، وهي أنه نظام منفتح على الحوار. والواقع أن هذه الصورة الخارجية التي يريد النظام أن يصدرها للعالم هي الدافع الوحيد له في هذه المفاوضات.
ولكن، بعد كل شيء، كان النظام السوري الخاسر في جولة موسكو على عكس ما يقوله معلقون كثيرون. هذا الوفد من المعارضة الذي ذهب إلى موسكو يمثل ما دأب النظام على تسميتها "المعارضة الوطنية". أشخاص ضد الإرهاب، وضد الطائفية، وضد التدخل الخارجي، ومع ذلك، فإن التعالي والاستخفاف الذي تعامل به رئيس وفد النظام كان كافياً لفضح حقيقة أن النظام السوري لا يعادي الإرهاب لأنه إرهاب، ولا الطائفية لأنها طائفية، ولا التدخل الخارجي لأنه تدخل خارجي، هو يعادي الإرهاب والطائفية وخرق السيادة الوطنية فقط حين تكون موجهة ضده. أما عداؤه الثابت الوحيد فهو لمن يطالب بالعدالة في توزيع السلطة والثروة. كيف يفهم الموالون للنظام غطرسة بشار الجعفري وطاووسيته تجاه هؤلاء المعارضين "الوطنيين"، حسب وصف النظام نفسه؟ إذا كان النظام يتعامل بهذا القدر من الاستخفاف مع من يعتبرهم، وتعتبرهم حليفته روسيا، معارضين معتدلين ووطنيين، فمن الطبيعي أن يجد المتطرفون الإسلاميون وكل أنواع التطرف المزيد من الأنصار والمتفهمين. هكذا يكشف النظام حقيقته أمام العالم، وأمام كل مناصر للنظام يمتلك قدرة على التأمل والتفكير.